الصفحة الرئيسية  قضايا و حوادث

قضايا و حوادث ذكورا وإناثا... إدمان البرومسبور ظاهرة تغزو صفاقس!

نشر في  14 ماي 2014  (11:46)

 قد يكون هروبا من واقع مرير و قد يكون تحديا لألم البطالة و قد يكون بحثا عن الثراء و الربح السريع . هذا ما يلخّص ربّما اقبال فئة كبيرة من الشباب على البرومسبور. فمع مرور الايام زاد الاقبال في صفاقس على الرهان الرياضي بشكل لافت خصوصا في الأوساط الريفية والمعتمديات الداخلية حيث تكثر البطالة و تغيب اسباب الترفيه ويصبح حلم الملايين يراود الآلاف من الشباب العاطلين . وحتى الذين يشتغلون ايضا ولم يعد بإمكانهم توفير اسباب العيش الكريم . ظروف عديد جعلت الكثير من الشباب و الكهول يقبلون على اقتطاع «ورقة حظ» كل اسبوع و بين اول اسبوع وآخره مسافة من الحلم الورديّ يعيش على املها المئات من الشباب . هذا ما خرجنا به من ريبورتاج» و نحن نجالس بعض المدمنين على لعبة «البرومسبور هذه الايام خصوصا وان المبالغ المتراهن عليها و صلت الى حد كتابة هذه السطور الى حوالي مليارين في المسابقة العالمية لهذه اللعبة في تونس..
  فأول من صادفنا في هذا التحقيق كان شاب على قدر كبير من الثقافة و الطرافة ايضا كان بصدد تعمير قصاصة المسابقة العلمية بعد ان جمع حوله مجموعة من المتراهنين، وبعد تعمير كل قصاصة تعلوا اصواتهم بالأمنيات . وعندما سالته عن هذه الظاهرة قال ان البرومسبور شغله اليومي في ظل بطالته الدائمة و شهادته الجامعية النائمة ثم اضاف: «محمد الهادي» ان البرومسبور اصبح امله الوحيد بعد ان طالت عزوبيته ممنّيا النفس بعد مع كل قصاصة بربح اكيد بعد ان فقد الامل في فرصة عمل و قبل ان اغدره الحّ ان اشاركه «ورقة حظ» على حد تعبيره لعلّي اكون طالع خير عليه.
مراهنة على الثراء
 فريد صاحب نقطة بيع بصفاقس قال ان الاقبال تضاعف مؤخرا على الرهان الرياضي و رأى ان المبالغ الكبيرة التي اصبح يغنمها الفائزون اسبوعيا على غرار صاحب الحظ السعيد من صفاقس الذي غنم حوالي 800 الف دينار جعل العديد من الشباب يغامر و يراهن على حلم مشروع خصوصا بعد الثورة التي جعلت نسق الحياة يرتفع و التشغيل صار صعب المنال . مما ولّد ثورة احلام لدى فئة كبيرة من المتراهنين حتّى صارت هذه اللعبة تستقطب حتى الفتيات وخاصة داخل مدينة صفاقس. محدثنا قال ايضا ان نقطة البيع داخل المعتمديات و رغم قلّتها فإنها تشهد اقبالا متزايدا يوما بعد يوم. و لعل ظهور الفائزين في وسائل الاعلام المرئية ضاعف حجم الاقبال وفتح «شهية» المتراهنين الى مزيد ضخّ الاموال لتركيع ورقة حظ عابرة . احمد من جهته قال انه شاب عاطل عن العمل منذ سنوات يعمل في حضائر البناء و هو متأكد ان عمله اليومي و حده لا يمكن ان يساعده على بناء عشّ زوجي لذلك اختار الادمان على الرهان الرياضي موظّفا حوالي نصف اجرته اليومية لها. فأحلامه ثارت و تضاعفت بتضاعف تكاليف الحياة اليومية و لا خيار امامه سوى المضي قدما في تعمير قصاصة قد تقيه من الخصاصة .
بين الدين وعلم الاجتماع
 الباحث في علم الاجتماع عماد بلعيد قال لنا يمثل الإقبال على لعبة الرهان الرياضي»البروموسبور»ظاهرة اجتماعية بامتياز باعتبار كثرة المشاركين في هذه اللعبة وتناسل أعدادهم وازديادهم يوم بعد آخر لتمس مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية. وهذه الظاهرة هي ظاهرة دخيلة علي المجتمعات العربية الإسلامية باعتبارها من قبيل «الميسر» ،إلا أن عولمة اقتصاديات الدول وتبنيها للنظام الليبيرالي الرأسمالي جعل الدول المتخلفة تتشرب كل ما هو وافد من الغرب «المتقدم، المتحضر» وتتبنى النموذج الرأسمالي القائم أساسا علي اقتصاد السوق والمبادرة الفردية والخاصة باعتبارها العامل الأساسي لتحقيق الثراء وجمع الثروة فالغاية الأساسية هي تحقيق الربح السريع والسهل ومن وراءه تحقيق الرفاه الذي يختصر في ما هو مادي ، وباعتبار أن المغلوب مقتد بالغالب لا محالة كانت تونس سباقة في الانفتاح علي بقية الثقافات والاقتصاديات متبنية نمط عيش معين يقوم علي تراجع الدولة الكافلة مكتفية بدور المراقب المنسق مشجعة للمبادرة الخاصة، ماضية في تركيز اقتصاد السوق والخوصصة.
الغاية تبرّر الوسيلة
ويضيف محدّثنا: «تبعا لذلك أصبح الفرد مضطلعا بمهمة ترقيه الاجتماعي والارتقاء بوضعه المادي عبر مبادرته الذاتية الشخصية غايته تحقيق الرفاه، شعاره في ذلك «الغاية تبرر الوسيلة»،فالوسيلة منظور إليها من جهة نجاعتها وفاعليتها لا من زاوية مشروعيتها ومعقوليتها، فكان من هذه الوسائل «البروموسبور» كوسيلة متاحة لا تتطلب إلا القليل من الحظ ليكون المتراهن علي موعد مع تحقيق الثروة أو هكذا يبدو للمتراهن المغيب عقلا ،الحاضر وجدانا تحت تأثير الهالة الإعلامية العالية القائمة علي آليات وميكانيزمات الدعاية والإشهار والبرامج التلفزية، اضافة إلي تركيز نقاط بيع للقصاصات في كل مكان في مسعى لتحفيز الفرد وتشجيعه على التراهن وتحقيق الثروة، في محاولة من السلطة لإلهائه عن قضاياه الأساسية السياسية منها والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وتنويمه من خلال دفعه للتعلق بأحلام زائفة وأوهام واهية لا يستطيع المرء إلا أن يتشبث بها ويعتبرها حقيقة واقعة في ظل وضعية اقتصادية متردية تتخبط فيها البلاد وما يرافق ذلك من انسداد الأفق أمام المواطنين بشكل عام والشباب بشكل خاص يتجلي في حالة البطالة والعطالة التي تتجاوز 17% وما يفرزه ذلك من ضعف للمقدرة الشرائية وما يقابلها من غلاء الأسعار، وعجز المواطن عن توفير مستلزماته الحياتية وهو ما يدفعه إلى التراهن في لعبة الحظ «البرومسبور» باعتبارها وسيلة متاحة وممكنة تفتح للفرد أمل الثراء وتغذي لديه نزوعه وهوسه لتحقيق الثروة التي تحقق له مكانة اجتماعية منشودة يثبت من خلالها وجوده ويحقق بواسطتها ذاته في ظل تقهقر مكانة الرأسمال الثقافي وتراجع مكانة التعليم في البنية الذهنية المجتمعية وتذيله أجندة اهتمامات المجتمع خاصة لدى فئاته الهشة والفقيرة باعتبار أنه لم يعد مجالا للترقي الاجتماعي وسادت سلطة الرأسمال المادي كسبيل وحيد وأوحد لتحقيق الطموحات واعتلاء درجات السلم الاجتماعي في ظل «نظام لبيرالي متوحش» عنوانه «المال قوام الأعمال». 


 • رابح المجبري